المحتوى الرئيسى

ما يسمى «بداعش» لا يُحتسب على الإسلام بل امتداد «للخوارج» باستحلال دماء المسلمين وأموالهم

08/20 03:30

وجَّه سماحه المفتي العام للمملكه العربيه السعوديه رئيس هيئة كبار العلماء الرئيس العام للبحوث العلميه والافتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد ال الشيخ بياناً امس الثلاثاء بعنوان «تبصره وذكري»، فيما ياتي نصه:

الحمد الله رب العالمين, والصلاه والسلام علي نبينا محمد، وعلي اله وصحبه اجمعين.. اما بعد:

ايها الاخوة والاخوات.. احييكم بتحيه الاسلام الخالده, ذات المضامين الكريمه والمقاصد الساميه.. فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. واوصيكم ونفسي بتقوي الله تعالي؛ فمن اشتغل بتقوي الله فالله كافيه.

ومع هذه الظروف التي تعيشها الأمة الإسلامية، اختلت فيها كثير من الاوطان, ومعها اختلت كثير من الافهام.. ولا شك ان اكثر الافكار خطراً افكار تسوق باسم الاديان؛ ذلك انها تكسبها قداسه تُسترخص في سبيلها الارواح, وحينئذٍ ينتقل الناس ــ والعياذ بالله ــ من التفرق الذي يعصم منه الدين الي التفرق في الدين نفسه, وهذا الذي حذرنا الله - عز وجل - منه في قوله {اِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ اِنَّمَا اَمْرُهُمْ الي اللَّه ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} الانعام: 159. فانه تعالي في هذه الايه يحذِّر المسلمين من ان يكونوا في دينهم كما كان المشركون في دينهم. وتفريق دين الاسلام هو تفريق اصوله بعد اجتماعها, وهو كلّ تفريقٍ يفضي باصحابه الي تكفير بعضهم بعضاً, ومقاتله بعضهم بعضاً في الدين. وليس في الاسلام جنايه اعظم عند الله تعالي بعد الكفر من تفريق الجماعه, التي بها تاتلف القلوب, وتجتمع الكلمه, كما في قوله تعالي {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَه اللَّه عَلَيْكُمْ اِذْ كُنتُمْ اَعْدَاء فَاَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَاَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِه اِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَي شَفَا حُفْرَه مِّنَ النَّارِ فَاَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّه لَكُمْ ايَاتِه لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} ال عمران: 103. قال ابن مسعود رضي الله عنه: «يا ايها الناس، عليكم بالطاعه والجماعه, فانها حبل الله - عز وجل - الذي امر به, وما تكرهون في الجماعه خير مما تحبون في الفرقه». والفرقه والخلاف لا يكونان الا عن جهل وهوي, كما ان الجماعه والائتلاف لا يكونان الا عن علم وتقوي.

ان المسلمين اليوم - والحال كما يعرف الجميع - في حاجه متاكده الي ان يتضلعوا علماً ومعرفه بهذا الدين القويم قبل ان يعرفوا به غيرهم, ليس ذلك في المسائل والاحكام فحسب, وانما في مقاصده العظيمه الواسعه التي من اجلها شُرع, وعليها اُنزل, فان الله تعالي ما ارسل الرسل وشرع الشرائع الا لاقامه نظام البشر كما قال تعالي {لَقَدْ اَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَاَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} الحديد: 25. وشريعه الاسلام هي اعظم الشرائع واقومها كما دلَّ عليه قوله تعالي {اِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّه الاسلام} ال عمران: 19. وقد جاءت لما فيه صلاح البشر في العاجل والاجل. والمقصد العام للشريعه الاسلاميه هو عماره الارض، وحفظ نظام التعايش فيها، واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها. ومن اسس القران الواسعه: ان الاصل في الاشياء الاباحه {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الاَرْضِ جَمِيعًا} البقره: 29، وان الاصل في الانسان البراءه: {فِطْرَه اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الروم: 30. وهاتان القاعدتان هما اساس كل تشريع وحريه. ولا تتم كل الاسس وتقوي علي النهوض الا بمعرفه ان سماحه الاسلام هي اول اوصاف الشريعة الاسلامية واكبر مقاصدها، كما في قوله تعالي {يُرِيدُ اللَّه بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} البقره: 185، وقوله {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج: 78، وقوله {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا اِصْرًا كَمَا حَمَلْتَه عَلَي الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَه لَنَا بِه} البقره: 286. وفي الحديث عنه صلي الله عليه وسلم: «احب الدين الي الله الحنيفيه السمحه». والحنيفيه ضد الشرك, والسماحه ضد الحرج والتشدد. وفي الحديث الاخر عنه صلي الله عليه وسلم: «ان الدين يسر, ولن يشاد هذا الدين احد الا غلبه». واستقراء الشريعه يدل علي ان السماحه واليسر من مقاصد هذا الدين. وقد ظهر للسماحه اثر عظيم في إنتشار الإسلام ودوامه, فعلم ان اليسر من الفطره؛ لان في فطره الناس حب الرفق. وحقيقه السماحه التوسط بين طرفَيْ الافراط والتفريط, والوسطيه بهذا المعني هي منبع الكمالات, وقد قال الله تعالي في وصف هذه الامه: {وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ اُمَّه وَسَطًا} البقره: 143.

وعلي ضوء هذه المقاصد العظيمه تتجلي حقيقه الوسطيه والاعتدال, وانها كمال وجمال هذا الاسلام, وان افكار التطرف والتشدد والارهاب الذي يفسد في الارض ويهلك الحرث والنسل ليست من الاسلام في شيء, بل هي عدو الاسلام الاول، والمسلمون هم اول ضحاياها, كما هو مشاهد في جرائم ما يسمي بداعش والقاعده وما تفرع عنها من جماعات, وفيهم يصدق قوله صلي الله عليه وسلم: «سيخرج في اخر الزمان قوم احداث الاسنان, سفهاء الاحلام, يقولون من خير قول البريه, يقرؤون القران لا يجاوز حناجرهم, يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميه, فاذا لقيتموهم فاقتلوهم، فان في قتلهم اجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامه». وهذه الجماعات الخارجيه لا تحسب علي الاسلام, ولا علي اهله المتمسكين بهديه, بل هي امتداد للخوارج الذين هم اول فرقه مرقت من الدين بسبب تكفيرها المسلمين بالذنوب, فاستحلت دماءهم واموالهم.

وندعو في هذا الصدد الي توحيد الجهود وتنسيقها التربويه والتعليميه والدعويه والتنمويه لتعزيز فكر الوسطيه والاعتدال النابع من شريعتنا الاسلاميه الغراء بصياغه خطه كامله ذات اهداف واضحه مدعمه بخطه تنفيذيه تحقق تلك الاهداف المنشوده واقعاً ملموساً.

Comments

عاجل