المحتوى الرئيسى

مترجم: التلاعب بالماضي، من يكتب تاريخ مصر؟ - ساسة بوست

07/04 20:36

منذ 6 دقائق، 4 يوليو,2015

ماذا لو كانت كل الكتابات علي جدران المعابد والمقابر والبرديات لا تعبر الا عن جانب واحد فقط من القصه، تمامًا كالدعايه في عصرنا؟ همس صديقي بهذا السؤال في نهايه نقاش طويل حول الوضع الراهن في مصر.

كلانا ضحك، ونحن نحاول تحليل سلسله الاحداث التي مهدت للوضع الذي تشهده مصر عام 2015. رغبتنا في بدء نقاشات اخري تتقلص هذه الايام، ليس لاننا اصبحنا اقل تسامحًا مع اختلاف وجهات النظر كما هو الوضع السائد في مصر، ولكن لاننا نشعر ان الامر عبثي بلا جدوي. في الواقع، لقد استهلكنا عاطفيًّا وعقليًّا، تمامًا مثل العديد من الشباب المصريين علي مدي السنوات الاربع الماضيه، حيث بدات تلك الفتره بامال كبيره وانتهت بخيبه وياس.

كنا اذًا نتجنب النقاشات، حتي ذلك اليوم الذي كنت اشاهد فيه فيلمًا وثائقيًا عن رعمسيوم، المعبد الكبير الباقي من عهد الفرعون رمسيسي الثاني. في هذا المعبد الرائع، ثمه جداريه ضخمه تمجد “الانتصار علي الحيثيين في معركه قادش”، علي الرغم من ان معظم الاستنتاجات التاريخيه التي توصل لها الباحثون، توضح بان نتيجه تلك المعركه كانت اما الانسحاب او الهزيمه العسكريه لجيش رمسيس. عند هذه المرحله، تذكرت سؤال صديقي.

لاحقًا، كنت اقرا مقالًا وجدت فيه ان الملك فؤاد كان قد شكل لجنه يديرها حسن نشات باشا – والذي كان يشغل منصب القائم باعمال رئيس الديوان الملكي- مهمتها جمع كل المستندات الرسيمه منذ عهد محمد علي. عقب ذلك طلب من المؤرخين الاجانب ان يعيدوا كتابه تاريخ العائله المالكه بشكل يلمع صوره محمد علي. صرت اكثر قلقًا، لهذا قررت ان اتعمق في بحثي اكثر.

سرعان ما قرات المجلد الرابع من اكثر المراجع شمولًا في ذلك الحين، «عجائب الاثار في التراجم والاخبار». في هذا الكتاب، يخبرنا عبد الرحمن الجبرتي جابنًا اخر من قصه مصر تحت حكم الباشا. في الواقع، في عصر النهضه، عاني المصريون الظلم والقمع والاستعباد والجهل. بالطبع ظل كتاب الجبرتي محظورًا حتي وافق الخديوي توفيق علي نشره عام 1880. الدكتور خالد فهمي خطا خطوه اخري في الاتجاه نفسه من خلال عمله علي المخطوطات العثمانيه، وذلك باستخدام النصوص التركيه الاصليه بالاضافه الي الترجمات العربيه في الارشيفات الوطنيه المصريه.

في كتابه الرائع «كل رجال الباشا، محمد علي وجيشه وبناء مصر الحديثه»، يدحض فهمي بالعديد من الحجج الفرضيه التقليديه بان محمد علي باشا هو “باني مصر الحديثه”. يجد فهمي في بحثه فروقًا هامه بين الوثائق التركيه الاصليه وترجمتها العربيه. يوضح ايضًا انه في كثير من الحالات، تم حذف بعض اجزاء من النص الاصلي عند ترجمتها، لكيلا تخل تلك الاجزاء بصوره الباشا المترسخه منذ زمن. يستعرض فهمي ايضًا العديد من الكتب للمؤرخين الاوائل، ويستخلص منها انها كانت انتقائيه في سردها، متقطعه من سياقها التاريخي في الغالب، لتخدم نفس الاهداف وترسخ صوره بعينها لمحمد علي.

يسلط فهمي ايضًا الضوء علي مقاله للباحث الاسلامي الحداثي الشهير محمد عبده، حيث يشير عبده الي محمد علي باعتباره مدمرًا لا بانيًا. المفكر الرائد يشكك بوضوح في نوايا الباشا، اذ يعتبر ان كل ما قد نسميه اصلاحات كان قد تم فقط بهدف تعزيز سلطه الباشا في مصر. علي سبيل المثال، وفقًا لعبده، فانه علي الرغم من ارسال العديد من البعثات الطلابيه الي اوروبا لدراسه الطب، لكنها لم تكن مخوله لعلاج الاف المصريين الذين كانوا بحاجه ماسه للرعايه الطبيه. بعباره اخري يَفترض عبده ان ما سُمي بتحديث مصر ترك اغلبيه المصريين في اوضاع اكثر سوءًا مما كانوا عليه.

من يكتب تاريخ مصر الحديث؟

فكره الملك فؤاد بان يعيد تشكيل التاريخ بدت مغريه لدرجه ان الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس انور السادات شكلا لجان مشابهه لاعاده كتابه تاريخ مصر. مع ذلك، فان اعمال هذه اللجان غير معروفه الي حد كبير. قبل ثوره- انقلاب عام 1952، كانت ثوره احمد عرابي تسمي تمردًا. كتب التاريخ اخبرتنا ان اعضاء الحزب الوطني لمصطفي كامل واخرين عاملوا عرابي باعتباره خائنًا واعتبروه مسؤولًا عن الاحتلال البريطاني لمصر. بعد عام 1952، اصبح الوضع معكوسًا. عرابي وصف باعتباره بطلًا قوميًّا انهزمت ثورته بسبب مؤامرات البريطانيين والقصر الملكي. صوره عرابي باشا وهو يشير للجيش علي حصانه الابيض ليحمي مطالب الشعب المصري استبدلت الحكايات القديمه للخيانه. غابت الانتقادات الكبيره لاراء وقرارات عرابي. حدث هذا حتي في اثار لمثقفين كبار مثل عبد الرحمن الرفاعي.

استمر هذا النمط علي مدار القرن. ذات مره تجول مراسلٌ وسط القاهره ليسال: من كان اول رئيس لجمهورية مصر العربية؟»، الاغلبيه رددت: «ناصر»، قليلون فقط تذكروا انه كان في الواقع محمد نجيب. لم تكن ردود الاغلبيه مصادفه.

عام 1954، اعلن مجلس قياده الثوره استقاله نجيب، والتي كان سببها خلاف بينه وبين ناصر. تم وضع نجيب تحت الاقامه الجبريه وحذف دوره في الثوره- الانقلاب. ظلت الامور بهذا الشكل حتي عام 1972، عندما وضع الرئيس السادات حدًّا لاعتقاله في منزله. حضر الرئيس مبارك جنازته، وفي عام 2013 مُنح اسمه وسام النيل من الرئيس المؤقت عدلي منصور.

Comments

عاجل