المحتوى الرئيسى

منى بعزاوي: أعيش داخل القصيدة بكل مشاعري وأحاسيسي

03/04 10:56

منى بعزاوي باحثة وشاعرة وأديبة من مدينة القيروان التونسية، تلقت تعليمها الابتدائي والثانوي بالمعهد الثانوي بمعتمدية الشراردة، حصلت على الأستاذية في اللّغة والآداب العربية، وعلى الماجستير في علم الاجتماع، وهي باحثة في الدكتوراه اختصاص تصوف وعرفان إسلاميّ. فضلاً عن كونها طالبة في اللّغة الفارسية.

بدأت مشوارها الأدبيّ منذ سن المراهقة بحيث نطقت في بداياتها بالحرية والتحرر الفكري والفلسفي من خلال مناجاة الأفق المنشود من وراء قضبان المبيت الثانوي الذي كانت تسكنه في فترة الدراسة الثانوية.

انطلقت في عالمها الأدبي من خلال تدوين أشعار منطوقة بصدق ونقد وتأمل وفلسفة معرفية سابحة في رؤى أفلاطون ونيتشه وغيرهما، واللذان كانا ملهمي الشاعرة في فترة الثانوية. من هذه العوالم راوحت الشاعرة في بداياتها بين الرؤية الواقعيّة الوجدانيّة والرؤية الفلسفيّة ذات الأبعاد التأسيسيّة والتكميليّة للوجود وللكمال الذاتي والإنسانيّ.

موناليزا العرب هو لقب أدبي ناتج عن ثقافة الفن والإبداع من خلال لوحة الفنان الشهير ليوناردو دي فينشي الإيطالي صاحب لوحة "الجوكندا أو الموناليزا"، وقد استلهمت هذا اللقب لمدى تأثري بتلك اللوحة الفنية العميقة التي خلدت في تاريخ الفنون في العالم، تلك اللوحة هي النموذج الأمثل لماهية الكينونة الإنسانيّة والفنيّة، وقد راقصت قصة الموناليزا وجداني وواقعي الأدبي والثقافي وألهمت مشاعري بواقعية وتفنن. إذ من خلالها تعلمت معاني الوجود الإنساني وآليات التحدي وصنع التاريخ والثقة بالنفس.

فقد تكون الموناليزا ملكة ذات رؤى وصفات مثالية بارزة مجسدة في لوحة ولكنني أراها ملكة في أفق العصور لا محدودة الزمان والمكان لأنها تعبير عن وجدان فلسفي واجتماعي مثير للجدل. تلك الجدليّة هي التي كانت سبباً في اختيار اسمها وجعله همزة وصل لآفاق كتاباتي وآفاق البحث عن اللامتناهي في الوجود.

الحزن والوحدة لهما وحدهما كل الفضل في تبلور حرائق الكتابة، وفي الحقيقة تعد حرقة الشعور بالعزلة العاطفية والاجتماعية أولى الأشياء لاعتبارهما متنفسين من الشعور الباطني الكامن في داخلي. لذا لا يمكن تحديد الفترة الزمنية بشكل محدد لتملك إحساسي بالشعرية التامة أو لنقل إنّني شاعرة أولد مع كل قصيدة وأعيش معها في لحظاتها ثم أطوي الصفحة وأمر لعالم أدبي آخر.

إذ بالنسبة لي الإحساس هو أثر متجدد مع تجدد الزمان والمكان ومع تجدد ذاتي داخلهما.

القصيدة هي وليدة أحاسيس متعددة ومتنوعة باختلاف البيئة والمحيط وباختلاف المشاعر، لذلك يحاول الشاعر أن يراوح بين الخير والشر وبين المكيدة والفضيلة وصولاً إلى الحكمة في تحقيق نتيجة الشعر ولا مفر من ذلك لا سيّما وأن الشعر لا بد أن ينطلق بحقيقة الأشياء وأن يصحح مسار كل شيء وفقاً للتجربة الذاتية ثم الاجتماعية.

شخصياً، أعيش داخل القصيدة بكل مشاعري وأحاسيسي، فالقصيدة ليست مستقلة بذاتها وليست متقوقعة بنفسها، بل إنها وليدة كم هائل من الوجدان وغالبا ما أكتب في لحظات الحزن القصوى وأبدع لأصل إلى النشوة الأدبيّة والسعادة الأبديّة بعد كتابتها وكأنّ الشعر هو متنفسي الوحيد في هذا الوجود والذي أثمر إصدار أربعة دواوين شعريّة حملت معاني العشق وحتميات الحياة والقدر، فضلاً عن مناجاة الآخر في كل مكان حتى لو سكن عالم البرزخ والمنتهى.

تضيف: الشاعر يعيش في الواقع وفي الخيال وهو مجنون في عالم الواقع وعاقل في عالم الخيال تلك هي فلسفة الشاعر الفنان الذي يمزج كل شيء من أجل تحصيل لوحة فسيفسائية ويرسم عالمه الخاص.

تنتقد ذاتها دون تردد وتقول: طبعا أنا أقبل النقد البناء وأتعلم منه من أجل تقديم رؤية أدبية أفضل، فالكتابة نقد أو لا تكون حتى إنّ عالم الكتابة والنقد هما عالمي الذاتي الذي أعيش به ومعه في آن واحد ولا يتوقف النقد عند الآخر بل أحاسب نفسي وأنقد ذاتي دون تردد في الموضوع.

وهي ترى أن عالم الشعر متحرر بذاته ولا يمكن لأي شيء أن يجعله متقوقعاً وفقاً لشروط ما، لذلك لا أرى لهذه المنافسة جدوى، فلكل أسلوب معانيه ودلالاته ويعتبر الشاعر هو المتحكم والحكم في تأصيل الهويّة الحقيقيّة لعالم الشعر من منطلق مبادئ وجدانية ومواهب ربانيّة.

حول إنتاجها الأدبي والصعوبات التي واجهتها تقول: أنتجت أربعة دواوين شعرية وأصدرت كتاباً في علم الاجتماع حمل عنوان "المرأة والشرف في الثقافة العربيّة المعاصرة".

وتوضح أن مختلف كتاباتها الشعرية حملت عناوين العشق والجنون والعشق والجزاء والعشق المراقص للقدر لاعتبار أن العشق هو السم القاتل الذي يقتل صاحبه رويدا رويدا فتساهم الكتابة من خلاله في إحياء نبضات قلبه بالقرب والبعد وبالألم والأمل.

ضمن تجربتها تعايشت مع العديد من الصعوبات "ولم أجد الدعم المادي ولا المعنوي من أي جهة تذكر حتى إنّني تحديت الجميع وأصدرت كتبي بمفردي حسب امكانياتي المحدودة وأنا فخورة بكسب التحدي في عالم الكتابة ونيل مراتب مشرفة في تونس وخارجها ولا أعتقد أن كسب التحدي يكون بسهولة وربما لولا الصعوبات لما واصلت دربي فهي أحياناً تكون الداعم الأساسي لاستمرارية المرء".

دواوينها لم تعد ملك لها ولا تفرق بينهم، فالدواوين التي أصدرتها باختلاف معانيها ودلالاتها ما عادت ملكي الشخصي بل أصبحت ملك الآخر بما في ذلك الذوات والقراء وليس من حقي مراجعتها أو تعديلها فقد خرجت عن مسار وجداني في هذه اللحظات وأنا أعيش تجارب أخرى في الكتابة من أجل أن أتعايش بألوان مختلفة وبهويات متعددة في هذا العالم المعرفي.

في الحقيقة لا يوجد عندي ديوانٌ أكثر دلالا من غيره لأنّ جل دواويني عبارة عن ديوان واحد يعيش بالعشق من أجل استمرار العشق في الوجود، ولا أعترف في عالمي إلاّ بالعشق في أوج حالاته الجنونيّة والمعرفيّة واللا معرفية.

وتسهب منى بعزاوي في الحديث عن كتابها "رحلة بألف رحلة" الذي هو بصدد النشر وتقول: كتاب "رحلة بألف رحلة" هو كتاب في أدب الرحلات، دونته على إثر رحلتي إلى إيران منذ صيف 2016 وهو أولى التجارب في عالم كتابة هذا الجنس الأدبي، حيث إنه نتاج أولى رحلاتي خارج تونس.

هذه الرحلة مكنتني من معرفة حقيقة الشعب الإيراني الشقيق ومعرفة الحقيقة بالعين المجردة دون الخضوع لثقافة السماع. فقد عرفت شعباً مناضلاً متحدياً لكل الصعوبات، ساهم في بناء مجتمعه وفي تأصيل ثقافة النصر وتحقيق العلم والتطور من منطلق وعيه التام بثقافة العمل وتحقيق المنشود.

إن السفر يمكّن صاحبه من تحقيق تجربة مثلى في الكشف عن هوية الآخر وثقافاته وحضاراته المتعددة، ولعّل التجربة الإيرانية في العالم قد أضفت سبل تحقيق كل ما هو مستحيل.

هذا الكتاب هو نموذج ثقافي لمعرفة ثقافة إيران وشعبها ومراحل تقدمها على جميع المستويات حيث كانت تجربة فريدة من نوعها أسهمت في نقلتي الأدبية والفكرية وأضافت على شخصيتي هوية المعرفة الحقيقية من منطق التجربة الذاتية. وأرجو أن تكون رحلتي الأدبية نموذجاً نحو تغيير الرؤى وتحقيق ثقافة استشرافية ملؤها الانفتاح والتواصل والاستمرار مع الآخر رغم الاختلاف اللغوي والاجتماعي.

وعن إسهاماتها ومقالاتها العلمية والثقافية تقول منى بعزاوي: قدمت ضمن تجربتي الشخصية العديد من المقالات العلميّة والأدبيّة والتي تراوحت بين عالم الكتابة وعالم المعرفة والأدب. فضلاً عن البحث العلمي، إذ تناولت بالبحث عديد القضايا الشائكة في علم الاجتماع وعلم التصوف والعرفان الإسلامي، حيث أوجدت رؤى استشرافية جديدة تعنى بالهويّة العرفانية للوجود العرفاني من خلال تأصيل معان مثالية عميقة في أدبيات التصوف والعرفان الإسلامي والجهاد في سبيل الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

Comments

عاجل